إذا جاز لنا أن نتحدث عن التربية وقيم التقدم، فعلينا أولاً أن نقر ونسلم بأن التربية ذاتها هي أهم قيمة من قيم التقدم، ولن تنجح أية محاولات لتحقيق أي تقدم ملحوظ في أي بعد أو مجال من مجالات التنمية والازدهار، إلا اذا كانت مدعومة ومباركة بالتربية الايجابية التي ترسم المسار وتحدد الخطط وتؤهل الكفاءات وتوجه الفعاليات وتكرس أساليب المتابعة والتقويم، في عصر عز أن تدلنا شواهده على ما يمكن أن يحدث في كل لحظة ومجال تطاله سرعته وتدفقه وتغيره وتناقضه وكثرة تحدياته ومطالبه ...
وإذا أفرد البعض للتقدم قيماً يرى أنها مهمة في سبيل تحقيقه، سنرى أنها بالقطع قيم تربوية في قمة تجريدها، وفي جدوى تكريسها واقعيا كذلك، فقيم العمل، والانضباط، والشفافية والمثابرة، والتجريب ، والابداع ، والتعاون ، والشراكة ، والدعم ، والايثار ، والعدالة ، والحق ، والخير ، وتقدير الذات ، واستنهاض الموارد ، وتلبية الاحتياج ، وتعزيز الثقة ، والتنافسية ، والتميز ، والتجويد ، والارتقاء، والصدق ، والأمانة ، والايمان ...، الخ ...، كلها قيم تعمل التربية بكل استراتيجياتها ومداخلها واجراءاتها على تحقيقها ، أو على الأقل إفشائها لتكون دعما ودليلا لصحة ما نقوم به ، أو على الأقل رسم المسار لتحقيق الأهداف والغايات التي نسعى الى بلوغها ...
وأرى أن التربية وفقا لما تم ذكره هي قيمة = "مجموع قيم التقدم"، فتفريد القيم على اطلاقها سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو انسانية، أو فكرية (أيديولوجية)، أو دينية، أو علمية ...هو على سبيل التحديد والبحث والاهتمام الذاتي، ولكن التربية تعمل في عمومها وفق هذا النسق المترابط والمتكامل، ولذلك فإن للتربية الدور الأكبر والأعظم في تكريس التقدم أو لنقل ترجمة الاجراءات التربوية الى واقع ملاحظ ومشهود هو "التقدم"، في إطار تكاملي شمولي.
ومن هذا المنطلق، فإنني أقترح ما يلي:
- توجيه البحث نحو تحديد أهم قيم التقدم والتي يمكن أن تحقق الأهداف العصرية والمتناغمة مع حركة التغيير والتطور العالمية.
- ترجمة الأهداف المتعلقة بهذه القيم الى جملة محددة من الاجراءات التربوية التي تساعدنا بموضوعية في استثمار الموارد وتوجيه الفعاليات الداخلة في هذا الإطار.
- خلق بيئة مناسبة للاستثمار المجتمعي العام، تتوافر فيها كل خصائص النجاح والدعم المستمر بكل أشكاله المعنوية والمادية، والذي يجب أن يكون مقوما لا يمكن الاستغناء عنه أو تجاهله.
- إعداد وتأهيل كوادر بشرية يمكن أن تقوم بهذه الأدوار التقدمية، تتوافر فيها خصائص ومقومات عصرية وعالمية وتنافسية، ولديها حصانة تربوية وخلقية للمحافظة على الأصالة ونمط الهوية.
- التخلص بشكل قطعي وسريع من كل خرافات ومعوقات التقدم، باستبدال التقليدي بالإبداعي، والأحادي بالجمعي، والقديم بالحديث، والجزئي بالكلي، والرمزي بالواقعي، والترددي باليقيني، والفوضوي بالنظامي، والتحرري بالانضباطي، ...الخ.
- استثمار كل المعطيات والقنوات التكنولوجية والالكترونية والاعلامية، في الامداد والتنوير والارشاد، لكل الفعاليات والأنشطة الموجهة فيما نقوم به ونستهدفه.
- تشكيل الايمان بأن التقدم والتطوير والارتقاء، لن يتحقق الا إذا كانت هناك إرادة وعزم وتصميم على الوصول، وتجاهل لكل أسباب الضعف أو الاستلاب أو الاستسلام والتخلف.
وفق الله كل القائمين على أمور التربية من بلدنا ومن فكرنا ، وبارك في كل جهود التنوير والارتقاء والتميز على كل مساراته وأوجه استهداف التغيير منه ورشاده ...
أ.د. محمود فوزي أحمد بدوي
أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية لخدمة المجتمع وتنمية البيئة ...
تعليقات
إرسال تعليق