الانسان بطبيعته يميل لما يحقق له امتاعا أو اشباعا أو راحة، يجد أثرها عليه سكونا ورضا واستبشارا، وهذا كله ينعكس على سلوكه فيكون ايجابيا أو سلبيا وفقا لقناعاته أو تبريراته أو حججه، المتعلقة بما يميل اليه أو يرغبه!
والعقل دالة عظيمة لما يقره الانسان أو يرضيه، فهو يجد الحجة دائما-من منهل العقل-لما يسلكه من دروب في الفكر أو الاعتقاد، ربما لأنه يعمل في إطار موضوعي لا يرتبط بالعاطفة بشكل ملاحظ، أو لأنه يحكم على الأمور والأشياء بمنطق ما تعود به من منافع ملموسة يجد أثرها في حياته وفي إتيان مصالحه ...
نعم يعمل العقل في إطار عام موضوعي، ربما لا يقبل الوجهات المتعاكسة أو التي تضنيه في اثبات صحتها نظرا للاختلاف عليها، فيعمد الى المباشرة في الحكم والتقرير واتخاذ القرار أو تبني المواقف التي تريحه وتخرجه من حالة التردد أو التشتت أو الاخفاق أحيانا ...
وتواجه الانسان دائما جملة من الصعاب أو الأحداث أو المواقف أو الشئون التي يحتاج فيها الى اتخاذ قرارات تساعده على التكيف أو التوازن أو الثبات على السلوك الذي يحقق له استقرارا واستمرارية في الاتجاه للأمام الذي يحقق اشباعاته أو حاجاته أو غاياته ...وتكون خير وسيلة لتحقيق ذلك هي العقل ذلك السلاح الرباني الخطير الذي يميز عموم خلق الله من البشر عن غيرهم من الخلق، بل ويميزهم هم عن غيرهم في ذات الجنس والإطار الانساني ...
ومن الـأمور الكبيرة والعظيمة التي تواجه الانسان ويلعب العقل في حسمها دورا كبيرا بل وبالغ التأثير، قضية الطاعة لله، فالإنسان في العموم يطيع الله ، لأنه يعلم أن في الطاعة نجاة من الهلاك (النار) ، والفوز بالنعيم (الجنة) ، وهو في هذا السياق يحتكم الى العقل المجرد في حسم هذه القضية ، ولا ملامة عليه في ذلك ، لأن الله رغبه في هذا الاطار بالجنة عند الطاعة ، ورهبه من النار اذا عصى ، والطاعة في هذا الاطار هي طاعة تأخذ صفة النفعية في علاقة الفرد بخالقه ، وربما يكون ضمير الانسان في ذلك مستريحا تماما ، فهو يؤدي حق الله ، ويلتزم بما أمر به ، ويبتعد عما نهى عنه !
سبحان الله، هل خلق الله الخلق وأمكن لهم أسباب النعيم وأمدهم بما يحتاجون اليه من ملكات وعطايا معنوية ومادية، لكي ينتفعون من عبادته، وتنتهي قضية العلاقة عند هذا الحد الضيق القاصر ؟! ، هل خلق الله الخلق ليعبدوه على صراط ، ينتهي بهم عند منتهى ضيق ضعيف هو الجنة أو النار وتنتهي القضية ؟! ، لا والله ، إن اعمال العقل بشيء يسير من التجرد والشفافية والبصيرة ، ليهدي الانسان الى ملمح آخر ومنتهى آخر أكثر عظمة وأكثر رحابة وأكثر جمالا وجلالا ، بل وأكثر انسانية ربانية تتسق مع جمال خلق الانسان وتكريمه على كل خلق الله ، إن هذا الملمح الرحيب السامي أن الانسان يعبد الله ربه لأنه الله في علاقة حب مطلق وتسليم صادق واقرار حق بالعبودية الكريمة لرب واله خالق كريم حكيم عليم قادر مقتدر بديع مصور ، عظيم مريد قيوم ذو الجلال والاكرام ، رزاق حليم نور السموات الأرض مجري الأكوان والقادر عليها ..الخ
هذه العبادة من الانسان لله، لأنه يدرك هذه العظمة الربانية الالهية، فيعبده لأنه المستحق وحده جلت قدرته وتعاظمت صفاته للعبادة من كل خلقه، وفي هذا الاطار سيجد العقل نفسه يأبى الا أن يكون مؤمنا محبا لله في ذاته الكريمة، دون طمع فيما عنده أو اتقاءا لعقاب سيوقعه عليه ..
وهذا هو خلق المؤمن المحب الذي أدعو الله أن نكون عليه جميعا، دون نظر كثير أو كبير لأمور تخرج عن هذه الغاية ..
اللهم ارزقنا حبك وشكرك وطاعتك لك بقلوب صافية وفطر سليمة لا تعرف في علاقتها بك الا الاقرار لك بالربانية والألوهية، دون طمع أو خوف أو نفع فيما عندك، الا أن ترضى وتعفو وتكرم ..يا الله يا رحمن يا رحيم يا عليم يا وهاب...
كاتب المقال:
أستاذ أصول التربية ووكيل كلية التربية ...جامعة المنوفية...
كلية التربية – جامعة المنوفية
تعليقات
إرسال تعليق